الخميس، 5 أفريل 2012

خمسة نصائح لتحسين أداء الحكومة

د فراس جبلون

مرت أكثر من ثلاثة أشهر على تسلم أول حكومة منتخبة بعد الثورة لمهامها ويمكن أن نقول أن ما حققته إلى حد الآن كان دون المأمول على عديد الأصعدة وذلك لأسباب عديدة. فكي تنجح أي حكومة يجب أن توفر لنفسها مقومات النجاح. فغياب البرنامج الذي تأخر كثيرا وضبابية الرؤية سببت إرباكا وتذبذبا عسر عمل الحكومة وصعب عليها إنجاز أي شيء بالنجاعة والفاعلية التي تتطلبها المرحلة الدقيقة التي نمر بها. ولكن قبل حتى أن نتحدث عن البرامج الاقتصادية والاجتماعية وغيرها هناك شروط أساسية وبديهية للنجاح كانت مع الأسف غائبة وبغيابها حرمت الحكومة نفسها من خلق الظروف السياسية الملائمة لها لتعمل وتعد البرامج وتطبقها بنجاح.

هذه بعض النصائح التي أتقدم بها آملا أن تعمل بها الحكومة ليتحسن أداؤها مستقبلا.

أولا، لا يختلف إثنان أن التركة التي تسلمتها الحكومة ثقيلة وثقيلة جداً والملفات كثيرة وصعبة. لكن الإصرار ليلا نهارا على لوم الحكومة السابقة على هذه التركة أمر مرفوض بل وخطير لأنها بذلك وكأنها تضع نيشانا على صدر بن علي لأنه ترك لنا "بلد الفرح الدائم" لا مشاكل فيه فإذا بالحكومة السابقة جاءت لتدمره نكاية في الحكومة الحالية. هذا الطرح يذكرنا أيضاً بخطاب أحمد فريعة وزير الداخلية إبان الثورة الذي بدل أن يهنئ الشعب على نجاح ثورته وبخه على حجم التدمير الذي لحق البلاد. على هذه الحكومة أن لا تنسى أن حكومة السبسي هي الأخرى وجدت تركة ثقيلة ووضعا خطيرا جداً ومهمتها الأساسية كانت إيصال البلاد إلى الانتخابات بأقل الأضرار، وكما كان على فريعة أن يتفطن إلى أن الخسائر المادية كانت ضرورية لإنجاح الثورة على هذه الحكومة أن تقبل أن أي أضرار حصلت كانت ربما ضرورية أيضا لانجاح المرحلة الانتقالية الأولى وعليها إذن الكف عن تقديمها للرأي العام كمكائد نصبت للإطاحة بها وأن تتوقف عن لعب دور الضحية لأن الشعب يريد حكومة قوية تقوده وليس حكومة يعطف عليها. أخيرا الخطر من التركيز على لوم الحكومة السابقة هو أنه سيشتت مجهودات الحكومة الحالية فيجعل كل طاقتها طاقة سلبية موجهة للوم والتباكي بدل أن تكون طاقة إيجابية موجهة للإصلاح والبناء.

ثانيا، الحكومة تتمتع بشرعية انتخابية وهي فعلا قوية بأغلبيتها الشعبية لكن هذا لا يجب أن يدفعها إلى الغرور في التعامل مع بقية المجتمع. ففي الديمقراطيات تتساوى قيمة كل المواطنين أمام صناديق الاقتراع لكن كما في كل البلدان الديمقراطية على أرض الواقع هناك شريحة من المجتمع لها تأثير أكبر على مجريات الأمور بحكم اهتمامها أكثر من غيرها بالشأن العام ونشاطها وحرصها على أن تكون عنصرا فاعلا فيه. على الحكومة إذن أن تأخذ هذا بعين الاعتبار وتبتعد عن لغة الأرقام وحدها وتحاول تنقية الأجواء وتحسين علاقاتها مع المعارضة السياسية وجمعيات المجتمع المدني والنقابات والإعلام وغير ذلك من القوى الفاعلة إذ من غير المعقول أن تتوتر علاقتها مع كل هؤلاء في نفس الوقت وخلال فترة قصيرة جداً من تسلمها الحكم لأن ذلك لا يمكن أبدا أن يساعدها على النجاح. وحتى لو فرضنا أن نظرية المؤامرة التي تسوق لها بأن كل هؤلاء حاقدون عليها فإن ذلك ليس عذرا لتعاديهم وتهاجمهم بتصريحات نارية في كل الاتجاهات لأن من المهارات التي يجب أن تتوفر فيمن يحكم هي القدرة على احتواء المشاكل وتقريب وجهات النظر حتى تنقذ البلاد من حالة الاحتقان غير المفيدة.

ثالثا، على الحكومة أن تدرك أن الصمود في وجه الاستبداد شيء وتسيير الدول شيء آخر مختلف تماماً. لذلك يجب أن تحرص على أن يكون أعضاء الحكومة من ذوي الكفاءة والقبول لدى الرأي العام بحيث تتفادى المهاترات الزائدة ويكون لها طاقم يمكنها من تحديد برامج واعدة والنجاح في تطبيقها بالدقة والنجاعة المطلوبة. إذن على الحكومة أن تتحلى بالشجاعة والمسؤولية وتقوم في أقرب وقت بتغيير بعض أعضائها غير الأكفاء (هناك على الأقل ثلاثة أو أربعة لا يتحملون الانتظار) إن كانت تبغي النجاح وهذا ليس عيبا ويحدث كثيرا وهو ليس دليل ضعف أو فشل بل دليل قوة وثقة في النفس. فقد عانينا كثيرا من تعيين المسؤولين حسب درجة الولاء للنظام ولا نريد اليوم أن يكون المعيار هو تعيين المسؤول حسب درجة البلاء الذي أصابه من نفس النظام. بعد الثورة نريد أن يكون المقياس الوحيد هو الكفاءة والنزاهة والوطنية وليس الولاء أو البلاء.

رابعا، عليها أن تكف عن المغامرات العنترية في الشؤون الخارجية لأن ذلك قد يأتينا بمشاكل نحن في غنى عنها خاصة أن جبهتنا الداخلية مازالت هشة وبالتالي لا تمكننا من مواجهة الأمواج الدولية العاتية. كما أن ثورتنا لم تنجح بعد وعلينا أولا أن نصونها ونحميها ونوصلها إلى بر الأمان قبل أن نفكر في تصديرها للخارج بأي شكل من الأشكال.

خامسا، الوضوح ثم الوضوح ثم الوضوح. لا شيء يدمر عمل الحكومات غير الضبابية والتذبذب في المواقف والتردد المبالغ فيه لأن ذلك يعطي المواطن الانطباع أن هذه الحكومة ضعيفة وغير قادرة على إفادته وفي نفس الوقت الضبابية تغذي نظريات المؤامرة والريبة والشك التي تعصف بالمجتمع حاليا ما يساهم في خلق حالة من الاحتقان والارتباك لا تساعدها على العمل. عليها إذن أن توضح موقفها من كل المسائل العالقة وتكون حاسمة وشجاعة في أخذ القرارات مهما كانت فهذا أفضل بكثير من ترك الشعب يخمن ماذا يمكن أن تفعل الحكومة في هذه المسألة أو تلك.

هل الشريعة الإسلامية هي الحل؟

دأب المنتسبون للإسلام السياسي منذ عقود على رفع شعار "الاسلام هو الحل" لكل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها. المناهضون لهذا الطرح يدحضونه مباشرة بمثال الصومال والسودان وأفغانستان وحتى السعودية التي رغم ثرائها ظلت تحسب من الدول المتخلفة في جميع الميادين.

في الحقيقة أعتقد أن هناك مغالطة كبيرة في الرأيين وجب توضيحها.

فالإسلام كدين جاء رحمة للعالمين وليصلح ما فسد في الأرض وليرفع من شأن المسلمين في دنياهم قبل آخرتهم. ونحن كمسلمين نؤمن أن القيم السمحاء التي جاء بها الإسلام والتي تعلمنا أن نفتخر بها منذ ولدنا لا يمكن إلا أن ترتقي بأي مجتمع حضاريا وتجعل نوعية الحياة فيه أفضل على كل المستويات.

من هذا المنطلق يبدو لي من التجني لوم الإسلام على فشل تلك البلدان لأن الإسلام بريئ منه. فأين الخلل إذن؟

الخلل في رأيي هو في القراءة والفهم الخاص للإسلام الذي يختاره مجتمع ما أو يفرض عليه فرضا فيتأثر ذلك البلد سلبا أو إيجابا وفق خطإ أو صواب تلك القراءة. فلا يخفى على أحد تعدد المذاهب والملل في الإسلام من شيعة وسنة ومالكية وحنفية ووهابية وأباضية وسلفية وغيرها كثير كثير يختلفون في القراءات والرؤى والفلسفات لكن يشتركون جميعا في محاولتهم الادعاء أنهم يقدمون الوسيلة المثلى والفهم الصحيح لتطبيق الإسلام على واقع الحياة وهنا تكمن المغالطة.

فإذا كان الدين في أصله رباني فإن وسيلة تطبيقه على الأمور الدنياوية هي بشرية بالأساس تتغير حسب اجتهاد المجتهدين وفهمهم للإسلام الذي طوروه عن من سبقهم وفق فكرهم الخاص والزمان والمكان الذي عاشوا فيه. ولعل ذلك هو أحد أهم نقاط قوة الإسلام وعظمته التي جعلت منه دينا صالحا لكل زمان ومكان بما أنه يسمح بل يشجع على الإجتهاد (ويعطي أجرا حتى لمن لم يصب) حتى يبقى فعلا على الدوام قوة دفع للأمام وليس إلى الوراء.

وعلى هذا الأساس فإن من يدعو مثلا أن يقع التنصيص في الدستور على أن تكون الشريعة الإسلامية مصدر تشريع أساسي، فيه مغالطة لأنه لا يحدد عن أي شريعة يتحدث أي وفق أي قراءة للإسلام سيقع هذا التشريع. فالمشكل هنا ليس في الإسلام طبعا لأني أعتقد أن غالبية التونسيين يحبذون أن تكون قوانينونا متناسقة مع ديننا، لكن الخطورة، حتى بالنسبة لمن يدعو لتطبيق الشريعة، هو أن يجد نفسه يرزح تحت شريعة أخرى غير تلك التي كان يريدها.

الحل في رأيي إذن هو في الديمقراطية بمعنى أن لا يقع التنصيص على أي مصدر للتشريع في الدستور، لكن بضمان حرية التفكير وحرية المعتقد وحرية التنظيم سيتمكن كل حزب من أن تكون له المرجعية الفكرية التي يريدها دينية كانت أو غير ذلك وسيتمكن من الترويج لأفكاره وبرامجه بكل حرية ليكسب ثقة الناس لينتخبوه في انتخابات نزيهة وشفافة تجعل القوانين والتشريعات التي تمثل الشعب، مهما كانت، هي فقط التي تطبق. وإن لم يسيطر أي حزب بحيث يفرض تصوره الخاص تكون تلك التشريعات خليطا توافقيا يعكس تنوع البلاد وثراء ميولاتها وأنا على يقين أن تكوين شعبنا سيفرز قوانين نابعة من دينه وفي نفس الوقت تعكس ثراء التجربة الثقافية والحضارية للتونسيين على مدى قرون وأيضا منسجمة مع عصرنا والتطور الحاصل فيه.

بهذا فقط سنضمن حدا أدنى من الديناميكية التي تمكننا من التطور والرقي على سلم المعرفة والعلوم ليتقدم وطننا وينتعش اقتصادنا ويزول بؤسنا أما حشرنا في زاوية تنظر إلى العالم وفق قراءة معينة ابتكرها فكر بشري منذ مئات السنين لا يمكن إلا أن تدفعنا إلى التحجر ثم التقهقر إلى غياهب الجهل والتخلف وربما إلى صراع يدمرنا وهو ليس ما قامت من أجله ثورتنا ولا يجب أن يكون.