السبت، 21 نوفمبر 2009

ما هي أسباب فشل المنتخب في التأهل لكأس العالم

د فراس جبلون

كل من تابع مباراة تونس والمزمبيق أصيب بخيبة أمل كبيرة لا بسبب الهزيمة والفشل في التأهل لكأس العالم، بل خاصة بسبب الوجه الهزيل والمخجل الذي ظهر به الفريق. فلو كنا قدمنا مباراة كبيرة مسكنا بزمامها منذ البداية ثم تنكر لنا الحظ لقلنا أن تلك هي أحكام الكرة ولخرجنا بشرف. لكن الانسحاب بهذه الطريقة المذلة هو ما حز في نفس كل أحباء المنتخب رغم أن الأغلبية الساحقة قد تكون الآن، بعد أن فاقت من الصدمة، قد حمدت الله على الانسحاب حتى نتجنب الظهور مرة أخرى بوجه هزيل أمام أنظار كل العالم نكرس به سمعة "الفريق الممل" التي أصبحت لدينا على الساحة الدولية.

المؤكد هو أن التحضير النفساني للاعبين لم يكن جيدا إذ نزلوا للمباراة دون روح ينتظرون هدية من كينيا بدل التركيز على تحقيق الانتصار. الخيارات التكتيكية للمدرب هي الأخرى تتدعو للاستغراب والتشكيلة المقدمة وتوقيت التغييرات ونوعيتها وتمركز اللاعبين واستعمالهم في غير مراكزهم المعتادة هي أيضا أشياء لا يمكن فهمها.

أسباب الانسحاب في الحقيقة غير مرتبطة بما حدث أمام الموزمبيق فحسب بل ترجع أيضا للوجه الهزيل الذي ظهرنا به أمام نيجيريا في تونس حين لم نلعب من أجل الفوز. وتعود أيضا لانهزامنا أمام السعودية في عقر دارنا لأن المدرب لم ير ضرورة خوض تلك المباراة بعقلية انتصارية يبدأ بها التحضير النفساني للاعبيه بتحقيق فوز مقنع. انسحبنا أيضا حين برر المدرب المساعد المردود الضعيف الذي قدمه المنتخب أمام كينيا بافتقارنا للاعبين يستطيعون صنع اللعب إذ كيف يمكن لمدرب بعد تصريح كهذا أن يخاطب لاعبيه بعد ذلك ليشحذ هممهم ويقنعهم أنهم "قادرون على صنع اللعب" أمام الموزمبيق لتحقيق الانتصار خارج القواعد وعلى عشب اصطناعي؟ ثانيا إذا كنا لا نصنع اللعب على أرضنا وأمام جمهورنا في مباراة سجلنا فيها هدفا منذ الدقيقة الأولى أمام فريق في حجم كينيا فلماذ نسعى أصلا للترشح لكأس العالم قد نلاقي فيها فرقا كالبرازيل وألمانيا وبعقلية كعقلية السيد الماجري قد لا يستطيع اللاعبون فيها النوم مدة أسبوع قبل المباراة من شدة الضغط النفساني.

كل هذه تحاليل فنية وجزئيات أكيد أن عدة مختصين تناولوها بالدرس والتمحيص في محاولة لفهم ما جرى علنا نتجنب تكرار نفس الأخطاء مرة أخرى حتى يظهر المنتخب "بوجهه الحقيقي" في كأس أمم إفريقيا على الأقل. المشكل هو أن هذا الوجه الهزيل هو في الواقع الوجه الحقيقي للمنتخب ولا يجب أن نغطي عين الشمس بغربال الترشحات الأخيرة لكأس العالم أو بالظفر بكأس إفريقيا في دورة نظمناها على أرضنا أو بمباراة كبيرة يقدمها المنتخب ويظهر فيها بغير "وجهه الحقيقي" بين الفينة والأخرى.

مشكل الكرة التونسية في الواقع هو أن الأسلوب الدفاعي الممل والعقيم الذي توخاه كويلهو ليس جديدا علينا فلومار أيضا انتهج نفس الأسلوب رغم أن كان لديه مهاجمين كالجزيري وسانتوس يفتقر إليهم كويلهو اليوم. هذا الأسلوب الممل ليس اختراع لومار أيضا ولكننا ننسى أنه كان نفس أسلوب كاسبارزاك. كما أن المسألة ليست مرتبطة بكون المدرب أجنبي أم تونسي إذ لا يجب أن ننسى أننا لعبنا كأس العالم في اليابان تحت قيادة مدرب تونسي ولعبنا كالعادة بعقلية انهزامية وخطط دفاعية عقيمة. قبل أن نلوم هذا المدرب أو ذاك علينا أن نتساءل لماذا يصرون جميعا على الاتباع هذا الأسلوب. الاجابة على سؤال كهذا صعبة لأن الأسباب عديدة. إذ يمكن القول إننا فشلنا في تكوين لاعبين ممتازين فنيا منذ العمل القاعدي في أصناف الشبان فغابت عنا تقاليد المشاركات الدولية الناجحة في هذه الأصناف. وحتى إن سطع نجم أحد الشبان فإنه سرعان أن يخبو بسبب قلة الانضباط وغياب العقلية الاحترافية داخل وخارج الميدان. لكن يبقى أهم الأسباب في نظري هو الهشاشة النفسية للاعب التونسي بصفة عامة ونقص فادح في الثقة في النفس يمنعه من التحلي بروح المبادرة فيجنح دائما لأسلوب النعامة والانطواء بدل المجازفة ومحاولة فرض الذات.

قد يجادل البعض أن هذا الطرح خاطئ بدليل نجاح تونس في التأهل ثلاث مرات متتالية لكأس العالم في السنوات الأخيرة. هذا صحيح لكن لا يجب أن ننسى أن ذلك لم يحصل إلا بعد أن أصبحت 5 فرق كاملة تترشح من إفريقيا ولا أعتقد أنه قليل علينا كتونسيين أن نطالب أن نكون على الأقل من الخمس الأوائل في قارتنا. ثم إذا حللنا كيف ترشحنا سنجد أننا كنا نوعا ما محظوظين إذ أن منافسينا المباشرين كانوا مصر سنة 1998 والمغرب سنة 2006 أي دولا عربية تشبهنا كرويا وهشاشتنا النفسية لا تعيقنا كثيرا أمامها للاعتبارات كثيرة، ثم الكوت ديفوار سنة 2002 وهو أيضا ليس بالضرورة من كبار إفريقيا ولا يجب أن يجعلنا فريقه الحالي أو الفترة الزاهية التي عاشها أول التسعينات نعتقد بغير ذلك (لم يتخط دور المجموعات في كأس إفريقيا سنة 2000 و 2002 أما في 2004 فهو لم يترشح أصلا). فلو كنا واجهنا فرقا كالكامرون ونيجيريا لربما كانت الصورة مغايرة تماما. إلى جانب ذلك فإنه باستثناء مباراة مصر في تونس سنة 1997 وما صاحبها من شحنة معنوية جبارة بسبب وفاة المرحوم الهادي بالرخيصة والتي فزنا فيها 1-0 فقط فإننا فشلنا في هزم منافسينا المباشرين وتعادلنا معهم في كل مرة ذهابا وإيابا.

ثم إن تلك المرات التي ترشحنا فيها لم تجلب لنا سوى خيبة الأمل والسمعة السيئة بسبب المردود الذي قدمناه و كنا دائما نعود بنقطة وحيدة نحققها عادة بعد أن نضمن الانسحاب وبالتالي ينقص الضغط النفسي على اللاعبين في حين أن منتخبات كأنغولا وتوغو تترشح لأول مرة قدمت مردودا أفضل منا. دليل آخر على أن ترشحاتنا كانت دائما ضربة حظ هي النتائج التي نحققها في كأس إفريقيا في نفس العام. فهل يعقل لفريق مترشح لكأس العالم أن ينسحب سنة 1998 من الربع النهائي أمام فريق كبوركينافاسو حتى وإن كان البلد المنظم، وننسحب من نفس الدور سنة 2006 أمام نيجيريا بعد أن اضطررنا لمواجهتها بسبب هزيمتنا أمام غينيا 3-0. أما في 2002 فإننا لم نتعد دور المجموعات أصلا.

أما سنة 2000 حين حققنا "انجازا كبيرا" بوصولنا للدور النصف النهائي فإننا انهزمنا أمام الكامرون 3-0 رغم خطتنا الدفاعية المعتادة هذا إلى جانب أننا تخطينا الدور الأول فقط بفضل هدية نيجيريا التي هزمت المغرب بفارق هدفين رغم تأكدها من التأهل. أما عن نهائي 1996 فقد حققه فريق كان في حل من كل ضغط نفسي بسبب فقدان الجميع كل أمل فيه إذ كان كل اللاعبين تقريبا شبه نكرة وكانت تلك الدورة تلي مباشرة كارثة 1994 وبالتالي كان مجرد تفادي نتائج مذلة سيعد انجازا لذلك الفريق الشاب.

إذن فتقريبا باستثناء سنة 2004 حين ظهرنا بغير وجهنا الحقيقي فإننا كنا أغلب الوقت أوفياء لتقاليدنا الراسخة في الأسلوب الدفاعي الممل الذي يفرضه على كل مدرب خوف لاعبينا الشديد وهشاشتهم النفسية وافتقارهم المفزع والدائم للثقة في النفس. فرغم ما يوفر للاعبين من ظروف طيبة وحوافز مالية وإطار فني بأجور خيالية، ورغم توفير بنية تحتية رياضية جيدة فإن كل ذلك فشل في إعطائنا منتخبات تشرفنا على مر السنين رغم جرعات الكوكايين التي كنا نأخذها بين الفينة والأخرى بنتائج تخدرنا مؤقتا ما نلبث أن نصحو منها بخيبة تلو أخرى.

أرجو أن تكون الصدمة الأخيرة بانسحابنا المخزي الصدمة التي ستجعلنا نعي أن التجهيزات والحوافز وغيرها ضرورية ولكن تظل غير كافية إذا لم نعالج جوهر أسباب الفشل المتتالي وهو افتقار لاعبينا للثقة في النفس وهشاشتهم النفسية التي قد تكون متأتية من عقلية التونسي بصفة عامة أي أن العلاج قد يتخطى حدود كرة القدم والرياضة ليشمل مراجعة تربية الأطفال منذ الروضة والمدرسة وأيضا تغيير الخطاب المستعمل في وسائل الاعلام وخاصة منه الموجه للشباب حتى يتضمن محتوى يدعو للاعتزاز بالنفس ونبذ الخوف والتردد وإلى تكريس روح المبادرة والسعي الدائم نحو الأفضل.

إن القيود التي تفرض على طموح شبابنا وفرض الوصاية عليهم منذ الصغر قد تكون من الأسباب التي تجعلنا نعلن الهزيمة قبل وقوعها فنرضى دائما بالقليل بدعوى أننا على الأقل أحسن من غيرنا، في حين أننا قطعا نستحق أفضل من ذلك ـ وبكثير.